بـدون تعليـــــــق

___________________________

الثلاثاء، سبتمبر 4

أَمَـــــــــــــــــــــــــــــــــــلْ

إهداء إلى الغاليات

نورا عبود
ريهام مبارك
زينب سعد

في صفحة من صفحات الكتاب الكثيرة, في منتصفها تقريبا سطران شعريان لا أذكرهما, لكنني أذكر جيداً أنني حين قرأتهما للمرة الأولى استوقفانني كثيرا, كان فيهما شيء مختلف, ولذلك قررت البحث عن "صاحبة" السطرين والتي كان اسمها "أمل"

بالنسبة لمدرس اللغة العربية في الصف الثالث الثانوي فقد مرّ على السطرين كغيرهما ولم يعقّب .. الآن أتساءل: ترى هل يدرك أستاذ اللغة العربية فداحة الجريمة التي ارتكبها حين سمح لهذا الاسم أن يمرّ دون أن يتوقف عنده ويحكي لنا عنه, ليخرج هذا العدد الهائل من الطلبة دون أن يعرفوا أن هناك من يدعى أمل دنقل؟!!

 نعــــــمْ .. اكتشفت بعد وقتٍ أنّ كاتب السطور التي استوقفتني ليس قادماً من كوكب الزهرة كما تصورت .. لا أذكر تحديداً متى اكتشفت ذلك ولا أذكر كيف كان انطباعي حينها, ككل البدايات للأشياء الممتدة العميقة في حياتنا, لا نذكر متى وأين وكيف بدأت.

 لكنني أذكر جيدا حين قرأت لأول مرة "لا تصالح" .. يومها لم أفهم شيئاً وتصورت أن هذا الشاعر لا يكتب كلاماً موزوناُ من الأساس وقلت لنفسي: لن أقرأ له ثانيةً.

حين قرأ خربشاتي التي كنت أسميها أيامها شعراً كتب لي ملاحظاته على هوامش الورق ثم أعطاني مجموعة من أشعاره لأقرأها .. ذهبت إليه في اليوم التالي لأعيد له أوراقه, أخبرته أنني استمتعت رغم أنني تقريبا لم أفهم أغلب ما كتب ثم علقت أخيرا: طريقتك تشبه ..... أمل دنقل. فردً بانتشاء: إنه شاعري المفضل.

في ذلك اليوم قررت أن أتراجع عن قراري, يبدو أن هذا الشاعر يستحق أن أقرأ له حقاً.

سنواتٍ مرّت منذ ذلك اليوم, صار فيها أمل دنقل جزءً من حياتي وكيف لا يكون!

كم شاعراً أنت مُعجب به؟ كثيرون هم بالتأكيد .. كم شاعراً تحبه؟ بالتأكيد هم أكثر من واحد. كم شاعراً يكتبُكْ؟ .. هل يمكن أن يكون إلا واحداً؟! بالنسبة لي كان أمل دنقل هو الوحيد الذي يكتبُني.
تجسيدٌ مثاليٌّ لمعنى الوجع اللذيذ, تلك العبقرية في وصف ما يعرفه الجميع جيدا لكنهم عاجزون عن تحويله إلى كلمات وتلك العبقرية في رؤية ما لا يستطيع غيره أن يراه  فيما هو ظاهر عياناً للجميع.

شيئا فشيئا يقترب مني أمل, أو أقترب منه, فتزداد اللذة ويزداد معها الوجع. لكن الوجع يزداد إلى ذلك الحد الذي يجعله قاتلا في بعض الأحيان. أتخذ قراري : لا أمل دنقل.
إجازة منه تعني هدنة من الوجع واللذة معاً, لكن لا ضير, يمكنني التنازل عن اللذة في مقابل البعد عن الوجع... ولكنّي دائماً أعود.
بضع كلماتٍ له طبعتها صديقة أو نشرتها صفحة ما أجدها على صفحتي الرئيسية تنسيني ذلك العهد الذي قطعته, أقرؤها ثم أقرؤها ثم أقرؤها .. كتلك التي تلتقي حبيبها الغائب بعد طول فراق وجفاء.

الآن اشهد بأن حضورك موتٌ .. وغيابك موتان

لا أذكر تحديدا عدد المرات التي قررت فيها أن أشتري أعماله الكاملة, أو عدد المرات التي قابلت فيها أعماله هذه في أي معرض من معارض الكتاب, لكنني في كل مرّة وبعد أن أمسك الكتاب بين يدي أعيده إلى مكانه ولا أشتريه .. الميزانية لا تحتمل, لن أشتري كتباً جديدة حتى أنهي قراءة ما اشتريته سابقاً, لن استطيع حمل الكتاب في أثناء تجوالي.. كثيرة هي الأعذار التي أسوقها لنفسي رغم أني أدرك جيدا أن أيّا منها ليس هو السبب الحقيقي.

الأعمال الكاملة لفاروق جويدة .. كان يوماً ما شاعري المفضل فكانت أعماله لا تفارق وسادتي إلا لأفتحها بين يدي أتناول منها الجرعة اليومية قبل النوم. الوِرد المقدس قبل الأذكار كلّ ليلة..

هكذا أفعل حين أحب شاعراً, فكيف سأفعل مع أمل؟! لأجل ذلك لم أكن أشتري كتابه في كل مرّة .. لست أملك قلباً يحتمل جرعة يومية من أمل دنقل.

هكذا عرفت الشاعر

فِي يَدِي: خَمّسُ مَرايَا 

تَعكِسُ الضوْء الذّي يِسْري من دَمي


كثيرا ما ووجهت بتلك التساؤلات المتعجبة أحياناً, المستنكرة أحياناً أخرى عني معه .. كيف لي وأنا أًصنّف -إن جاز التصنيف- إسلامية أن أعشق هذا الشخص صاحب الكتابات المثيرة للجدل .. وصاحب السيجارة والكأس التي ما كانتا تفارقان يديه!نعم أتوقف عند "كلمات اسبارتاكوس الأخيرة" وأشعر بانقباضة حين أقرا مطلعها, بل وأفضل ألا أفعل رغم كل التفسيرات والشروحات عن الفارق بين المراد من الكلمة والمعنى المعجمي .. لا يحدث هذا مع هذه القصيدة فقط, بل مع قصائَد أخرى .. لكن هذا كله لا يملك الحق في منعي أن أحبّ الشاعر فيه.

وأما الإنسان فتلك قصة أخرى:

 متعةٌ لا تضاهى استشعرها حين أدخل إلى عالمه واستكشف فيه أدقّ تفاصيله, أراني فيه أحيانا, بل وأرى كثيرين فيه .. أقف مشدوهة أمام ذلك الإنسان الشاعر أو الشاعر الإنسان, أحاول جاهدة أن أفهمه لكني لم أفعل يوماً.

لم يكن أمل دنقل إنساناً صاحب تجربة, بل هو تجربة تمثلت بشراً .. ذلك المليء بكل تناقضات الحياة, الثائر الحزين, الرقيق الحاد, الطموح اليائس, المحافظ المتحرر.

عاش مُنتصباً, بينما ينحني القَلبُ يبحثُ عمَّا فَقَد

أحب عبقريته الشعرية وأحار في الإنسان فيه وأتعجب لحكايته و .. أدين له بالكثير

...................................


ورسمتكَ فى كرّاساتى حقلاً  

موّجتك أنهاراً 

أوقدتك ناراً 

نزّلتك مطراً 

وتخيرتك فصلاً غير جميع فصول الأعوام*
_______________________________________________

*من قصيدة "هل تعرفني" للسماح عبدالله كتبها إلى أمل دنقل على سرير الشفاء

الاثنين، يوليو 9

عن لغتنا المستحدثة

كنا قد اتفقنا -للمرة الثانية- من باب "بل ريق البلوج سبوت" ونفض التراب الذي غطى مدوناتنا أن نعود للكتابة سوياً في يوم محدد, و"نا" الفاعلين هنا تعود عليَّ ومجموعة من زميلات التدوين اللاتي فيما يبدو يعانين من نفس متلازمة الرغبة المحمومة في الكتابة والمصحوبة بفقدان تام للقدرة على إكمال سطرٍ يتم البدء في كتابته.

ولأنني -كما تأكدت مؤخراً- فاشلةٌ تماما في الكتابة خصوصاً -والتعبير عموماً- حين يكون مطلوباً مني أن أفعل, خالفت الاتفاق مرة أخرى وتأخرت عن الموعد المحدد يومين كاملين. قضيتهما في صراعٍ مرير مع ذاتي ومحاولة للتغلب على هذه المزاجية المقيتة في الكتابة.
هناك عشرات الأفكار المطروحة والتي يمكنني الكتابة عنها, لماذا لا أكتب عن اكتمال القمر الذي اكتشفت مؤخراً انه أقل جمالاً من الطور الغير مكتمل؟ أو عن القرار الجمهوري الذي أعادني لعالم السياسة بعد إجازة لا إرادية دامت أياما؟ أو .... أو .... أو.

وبالطبع -كعادتي- أعجز عن الكتابة عن أي مما أقرر الكتابة فيه متعمدة. فلا كتبت عن القمر ولا عن القرار.
ومر اليومان, وفي ساعة من الساعات الأخيرة أجد ما أكتب عنه, في تلك اللحظة التي ضبطت نفسي فيها متلبسة بقول "فًكّك" في رد على أخي الأصغر تعقيباً على مسألة ما كنت أريد أن أخبره بأن يصرف نظره عنها.

يدرك كل من يعرفني جيداّ أنني تربطني علاقة حميمة باللغة العربية وأنني أحب استخدامها كثيراً وأكره الإساءة إليها. بالطبع هذا لا يعني أنني أحيي أمي حين ألقاها بعد استيقاظي قائلة "عمتِ صباحاً". إنما أنا فقط أحبذ استخدامها كثيراً في التواصل عبر الفضاء الإليكتروني وأكره في المقابل كُتاب العامية واختراع "الفرانكو آراب".

هذا بالحديث عما نكتب, أما إن تحدثنا عما نقول, فتلك قصة أخرى .. أذكر جيداً منذ سبع سنوات حين سمعت صديقتي المهذبة جداً تعلق على موقف ما قائلة قشطة أو "إشطة" أنني صدمت صدمة شديدة, شعرت يومها باشمئزاز شديد من الكلمة وبغضب من استخدام صديقتي لمثل تلك الكلمة "البيئة" .. اليوم أنا أستخدم هذه الكلمة دون أدنى شعور بالاشمئزاز أو الضيق, بل أنني لا أذكر حتى تلك المرة التي استخدمت فيها اللفظة للمرة الأولى أوالمسافة الزمنية بين تلك المرة الأولى والوضع الحالي الذي صارت هذه الكلمة من المفردات المعتادة جدا في قاموسي اللغوي.

كل هذه الأفكار دارت في ذهني في تلك اللحظة التي وجدتني فيها أخاطب أخي الأصغر قائلة ( فًكّك) .. كيف أستخدم تلك المصطلحات التي كنت أرفضها يوماً؟ وهل هذه هي المرة الأولى التي أستخدمها أم أنني فعلتها قبلاً دون أن أنتبه؟
يمكنني أن أهون على نفسي قليلاً بالقول أن " فًكّك " لها أصل في اللغة (فكّ الشيء فكّاً: أي فصل أجزاءه) وهنا لا أكون قد ارتكبت جريمة في حق اللغة وحق نفسي حين أستخدم هذه الكلمة.

 (تبالغين جداً) .. أعتقد أن هذا ما يدور في ذهنك الآن .. وأعتقد -أنه طبقا لما نعيشه- أنت على حق, لكن طبقا لما أؤمن به لا أنت على حق حين تراني أبالغ ولا أنا على حق حين أفعل ما كنت أشمئز منه يوماً ما دون تغير مقنع يجعلني أقبل على ذلك.

قد أجد مبررا لاستخدام " فًكّك" لكنني يستحيل أن أجد مبرراً -وربما أنت أيضا- ل "نهيس" "مهيبر" "كوول"* أو أن "اللي فات حمادة واللي جاي حمادة تاني خالص" فحتى وإن كان حمادة اسم عربي فأنت بالتأكيد لا تعرف لماذا لا يكون اللي فات ميدو واللي جاي ميدو تاني خالص مثلا؟!
 كل هذه المفردات والمصطلحات -وأغرب منها- التي لا نعرف لها معنى أو نعرف أنها من لغة غير لغتنا أصبحت جزءا لا يتجزأ من قاموسنا اليومي. حتى هؤلاء الذين يرفضونها في البداية تجدهم يقبلونها ويسلمون بها في النهاية بشكل ما. ما يجعلني أتساءل هل سيأتي يوم يصبح فيه قاموسنا اللغوي عماده تلك المصطلحات التي لا أصل لها عندنا؟!

هذا عن علاقة المصطلحات باللغة وهو شقّ, أما الشقّ الآخر فهو علاقة المصطلحات بنوع قائلها .. فهل يجوز لفتاة أن تستخدم عبارات من نوع "قشطة و  فًكّك" هي في البداية قد ظهرت في أوساط ربما يعتبرها كثيرون منا "دون المستوى"؟!  والسؤال عن الجواز هنا غير مرتبط بالفتاة من تلك الناحية التي تتضمن شيئا من تصنع الرقة أو افتعال الأنوثة أو ارتفاع المستوى الاجتماعي, ولا هو مرتبط بها من ناحية كونها أقل حرية وأكثر حاجة للضبط الأخلاقي والعقلي من الرجل, وإنما هو مرتبط بالفتاة من حيث كونها أنثى ومن حيث انتمائها لأولئك اللائي وصفهن سيد الخلق ب"القوارير" ومن حيث تميزها في خَلقها -والتميز هنا لا يعني الأفضلية- بصوت أكثر رقةً وهدوءً ونعومةً  من صوت الرجال؟


كل هذا يجعلني أتساءل هل من الطبيعي أن تتحدث كل فئات  المجتمع المتفاوتة ثقافياً وأخلاقيا -لا اجتماعياً أو اقتصادياً-, وتتحدث الإناث كما يتحدث الذكور نفس اللغة بأغلب ما تحويه من تشوه وعوار؟!!
____________
* ربما قد تدهشك اختياراتي للمصطلحات الغريبة التي تم استحداثها.. لكنني لا أحب أن أقول ما هو أكثر من ذلك.


تدوينات الصديقات:
خبطتين في الرأس

ثنائية تسكع

الأحد، يوليو 1

كلُّـــــــــــــــــــــــــــــــــنا بجماليون

تقول الحكاية أن بجماليون* الذي يكره النساء صنع جالاتيا , أحبَّ فيها جمالها الذي صنعته يداه فتمناها حية تنبض, أحيتها الآلهة فرأى في الإنسان فيها ما ينتقصُ من جمال التمثال فتمناها تعود جامدة كما كانت, وحين عادت أدرك كم يحتاجها حية.في النهاية كفَر بكل شيء, حطّم التمثال الذي صنع ومعه الإنسانة التي أحبّ. وفي النهاية فقط -وعندما فقد كل شيء- أدرك أن هذا الصراع كان نوعاً من العبث " إني الآن أرى وأبصر وأعرف وأقدر .. ولكن..........لقد آن الأوان" .. بجماليون يلفظ انفاسه الأخيرة بعد أن عاش مثلهم جميعا "يحطمون الجمال الذي يصنعون ليعيدوا بناءه من جديد"


الحياة ناقصة, والبشر جبلوا على النقصان .. بذلك آمنت وأؤمن وسأظل .. لكن هؤلاء البشر في نقصانهم مختلفون, فترى أيهم يمكننا أن نختار؟! أي النقصان يمكننا تجاوزه دون الشعور بافتقاد الناقص وأيه نعجز عن تجاوزه ويقتلنا افتقاد الغائب فيه؟!

تقول قواعد التنمية البشرية أن أولى الخطوات اللازمة لتحقيق هدف هي أن نعرف ماذا نريد .. لكن هذه القواعد تغفل أن معرفة "ماذا نريد" هي هدف في ذاتها, ربما هي أهم هدف!

بجماليون كان يعرف جيداً أنه يكره النساء ويعشق الفن, لذلك قرر أن يوجِد جالاتيا, أراد أن يصنع بفنه ما يسمو على الواقع الذي يراه ويعده في نظره مبتذلاً, وصنع بفنه تمثالاً بديعاً لا يضاهي جماله شيء. لكن الجمال الذي أبهره واغترّ به جعله يتمنى جماده حيّا فلربما استطاع فعلاً أن يخلق ما يسمو على الواقع في كل التفاصيل والصفات لا في الصورة فقط, وتمنّى, وحين منحته الآلهة ما تمناه رأى جماله الذي صنعه بيديه مثالياً يُنتقص حين يمارس أفعال البشر, كيف لهذا التمثال الذي صنعته يداه ألا يطيعه؟ كيف له أن يتمرد عليه؟ بل كيف يجوز لهذا الجمال الذي لا مثيل له أن يتحول إلى امرأة ككل النساء تقوم بالأعمال المنزلية؟!

بجماليون كان يعرف أنه يكره النساء ويعشق الفن, لذلك دعا الآلهة من جديد أن يعود خلقَه حجراً صامتاً كي يكون كاملا لا ينتقص منه شيء. وعاد.

بجماليون أصبح يعرف أنه أحبَّ البشرية التي تمارس الأعمال منزلية حيناً وتتمرد على أوامره حيناً, أكثر مما يحب تمثاله العاجي الصامت. فقط حين افتقد الدفء الذي بعثته جالاتيا في حياته وفي أركان بيته أدرك ذلك.بجماليون الغاضب, من الآلهة ربما, من جالاتيا ربما, من الحيرة قبل كل شيء ومن نفسه التي لم تعرف حقيقة ما تريد حطّم كلّ ما تبقى لديه في اللحظة الوحيدة التي صار فيها "يرى ويبصر ويعرف ويقدر".

هل أنتّ بجماليون؟ نعم, وأنا بجماليون, وربما كلنا بجماليون .. كلنا يكرر طوال الوقت تلك العبارات عن الحياة الناقصة بطبعها والكمال الذي هو لله وحده, بل وكلنا يعترف أنه شخصيّاً ليس كاملاً, لكننا لا ننفك نبحث فيمن حولنا عن الكمال .. ندرك شيئا ما فيهم نحبه ويُسعدنا وجوده, لكننا مع مرور الوقت ندرك فيهم شيئا آخر .. نخافه .. أو ربما -في الحقيقة- ندرك شيئا آخر فينا ما كنّا نعرفه قبلا.في هذه اللحظة يبلغ الصراع داخلنا ذروته في الاختيار بين ما أحببناه حين كنا ما تصورنا وبين ما خشيناه حين اكتشفنا أنهم ليسوا كما تصورنا والأهم أننا لسنا كما تصورنا.

ربما لا تكون طامعاً حين تبحث عن هذا الكمال, لكنك فقط لا تعرف نفسك جيداُ بذلك القدر الذي يجعلك قادراً على الحكم ما إن كان هذا النقصان سينتقص من سعادتك أم لا.

هنا يكون الحل أن تعرف نفسك أولا, لكن تظل المعضلة أنك لن تستطيع أن تعرف نفسك إلا إن عرفتهم, لن تكون قادرا على رؤية حقيقتك إلا في عيونهم, لن تتمكن من معرفة ما تحب إلا إن وجدته فيهم, ولن تكون قادرا على إدراك ما تكره إلى إن لمسته فيهم واقعاً.

في النهاية ربما أنت لا تملك إلا أن تكبح جماح غضبك حين تصل إلى ذروة الصراع لتكون قادراً أن تمنع نفسك من تحطيم جالاتيا خاصتك في اللحظة التي فيها فقط تستطيع أن "ترى وتبصر وتعرف وتقدر" .. ولتدعُ الله ألا تتأخر هذه اللحظة كثيرا فلا تأتيك إلا حين يئين الأوان..


______________
*بجماليون : شخصية من الميثولوجيا الإغريقية تم اقتباس حكايتها في العديد من الأعمال الأدبية من أهمها بجماليون برنارد شو وبجماليون توفيق الحكيم المأخوذ عنها تفاصيل مقالتي

الجمعة، أكتوبر 21

كلمـــات متقاطعــــة

أشفق كثيرا على كتاب الأعمدة اليومية, كيف يستطيع هؤلاء أن يمسكوا القلم كل يوم ليكتبوا؟! أي معاناة تلك التي يمرون بها يوميا ليملأوا ورقة بيضاء بسطور من رحم أفكارهم؟! أي ألم ذلك الذي يعيشونه ليخرجوا لنا كل يوم ما نقرأه في دقائق عابرة غير عابئين في أغلب الأوقات بعِظم الجهد الذي بذلوه؟!. لأجل ذلك فإني -على عكس كثيرين غيري حسبما أعتقد- حين أمسك صحيفة ما, أقلب صفحاتها, أكون غالبا في انتظار أن أجد احد كتابي المفضلين قد ترك عموده فارغاً معتذرا عن الكتابة, وحين أرى العمود مكتوبا -ككل يوم- تصيبني الدهشة -ككل يوم- وأتساءل عن تلك الماكينة التي يخرج منها هؤلاء إبداعهم اليومي, ألا تتوقف أبداً؟!! ومنذ زمن بعيد أتمنى أن أمتلك ماكينة كتلك, لا أعني ماكينة مماثلة تماما فلن أكون طامعة إلى هذا القدر, فقط ماكينة كتلك التي يملكها كتاب الأعمدة الأسبوعية, تمكنني من التغلب على حالات التوقف عن الكتابة التي تصيبني كثيرا كثيراً دونما أن أعرف السبب. لكنني حتى تلك لم استطع امتلاكها, لأجل ذلك فأنا منذ ما يقرب من أسبوع أفكر في موضوع التدوينة التي سأكتبها اليوم. كنت قد قررت أن أكتب عن تلك الرواية التي أجلت قراءتها شهورا طويلة ثم قرأتها أخيرا و.. ابتسمت. ثم فكرت أن أكتب شيئا يعبر -ولو قليلا- عما نعيشه وعما تعيشه الثورة هذه الأيام, والبارحة وحين سمعت خبر مقتل القذافي فكرت: هل أكتب عنه؟! لكني لم أعرف كيف لي أن أكتب في خبر لم يثر في نفسي شيئا, لم أفرح ولم احزن ولم أهتم, مر الخبر -لسبب أحاول حتى الآن فهمه- مرورا عابرا كأي خبر عادي. وأخيرا فكرت أن أكتب عن الخبر الذي أظنه لن يمر مرورا عابرا إذا حدث, الخبر الذي أتمناه منذ وقت وأظنني سأفرح إن حدث, أن أشاهد بشار الأسد كما شاهدنا القذافي بالأمس, ولا أدري لماذا تختلف سوريا عن ليبيا والجرح واحد!!
لكنني عجزت أن أكتب في أي من تلك الموضوعات, حينها وجدتني أذكره حين قال لي أن سبب عجزي عن الكتابة هو انعزالي لفترة عن العالم واكتفائي بالقيام ببعض الأعمال الصغيرة المتكررة داخل جدران أربع. يومها قلت له لا أظن هذا التفسير صحيحا, واليوم أنا واثقة أنه قد جانبه الصواب حينها, فالانعزال قد انتهى تقريبا والأعمال الصغيرة زادت وانضم إليها بعض الأعمال الكبيرة والجدران الأربعة لم تحدني طوال الوقت كما كانت. فأفكر أيكون السبب حقا أن العبارة تضيق كلما اتسعت الرؤية؟!!! .. أم أن الحقيقة ليست كما قال هو أو قال النفري وإنما كما كتب أحد الزملاء: "- قلمك, هل أصابه الصدأ؟ - كلا, إنه قلبي"ـ
وظل الحال على ما هو عليه حائرة فيما أكتب إلى أن توقف صدفة أمام صورة على صفحتي الرئيسية على الفيس بوك, كانت جزء من رابط شاركته إحدى الصفحات. لفتت انتباهي الصورة, أعرفها جيدا, أعرف تلك الخطوط البسيطة وأحفظها عن ظهر قلب, إنها ذاكرة الطفولة التي نحتفظ بتفاصيلها كما النقش على الحجر. كان عنوان الخبر بجانب الصورة "وفاة حجازي رسام الكاريكاتير المصري عن عمر يناهز 71 عام". نعم إنه هو! هو ولا أحد غيره, ذلك الرسام الذي كنا ننتظر لوحاته الكاريكاتورية كل أربعاء في المجلة العزيزة "ماجد", أيامها لم أكن أعلم أنه مصري ولم أفكر أن أسأل عن جنسيته أبدا. اليوم وحين توفي أدركت أن رسامنا المحبوب أيام الصغر ليس فقط من بلدي المحبوب, إنما هو أيضا قد رسم بريشته على صفحات روز اليوسف وصباح الخير والأهالي!, رسام الصغر لم يكن يرسم للأطفال فقط كما اعتقدت, كان أحد أعلام فن الكاريكاتير السياسي!
طوفان الذكريات الذي راح يتدافع في عقلي وأنا أقرأ الخبر كان كافيا لتسيل من العين دمعة على حين غرة, دمعة لم أفهم حقيقتها, أهو الحزن على فقد الفنان الذي أحببناه صغاراً؟! أم هو الألم الذي تبعثه كراهية الفقد في كل أشكاله وصوره ؟! أم هو الحنين لكل ما كان في الماضي البعيد؟! ..... لم أعلم -وربما لن أعلم- أبدا .. فقط ما أعلمه هو أننا حقاً أسرى ذكرياتنا الحلوة.

الأحد، أكتوبر 16

رسائل من العتمة


هذه المرة أحدد أشخاصا بعينهم لتصلهم رسائل ، لعلها تعبر عن نصف ما يضيق به صدرى ولا ينطق به لساني ...

سامحك الله ، أختي الوسطى ، على ذلك الإهداء (ديوان أستاذي فاروق جويدة – هذه بلاد لم تعد كبلادي - ) وشكرا – أيضا – أنه أوحى لى بتلك الكلمات ...
-----
.... رسالتي الأولى لـ (أمي – أبي )
هيا نبدأ ...
... صبرا جميلا
إن ضوء الصبح لآت ....
في زيارتها الأخيرة ، وفى نفس الإهداء ، في آخر أوراقه ، كتبت لي أمي من كلمات جويدة ، تلك الحروف السابقة .
رغم أنى أعز مالها في الدنيا ، ودموعها أسرع من الشلالات لأبسط المواقف الإنسانية حتى التي لا تمت إليها بصلة ...
فهي لم تسمح لأحدى قطرات الضعف الرجولي (كما ينطبق عليها عندنا في الصعيد ) – لم تسمح لها نزولا ، وهى تحتويني بين ذراعيها ، وكأنها تمتص ما امتلأ به صدري من أشجان و اشتياق ، وكراهية (للعتمة ) لتحمله عنى .....
وكراهيتي للعتمة التي أصبحت وأمسيت و خاصمتني صديقتي الشمس فيها .....
حتى في فضاء السماوات وكأنها غادر الأرض وراحت تبحث عن مكان غير (طره ) لتستقر فوقه !!
كما ....
علمتني أن تاجَ المرءِ في نبل الصفاتْ
أن الشجاعةَ أن أقاوم شح نفسي ....
أن أقاوم خسةَ الغايات ....
هذا ما ربتني عليه ....
وكأن عينيها تكاد (في زيارتها لي في طره ) تحكى قصة يوسف الصديق ، والتي حفظتها عن ظهر قلب ....
وتكرر ما نزل على المصطفى عليه الصلاة والسلام ....
(إن مع العسر يسرا )
فسلاما عليك يا أمي ... (وسامحيني تعبتك معايا )
لم أوفيك ولن أستطيع ، وكالعادة خيانة الأقلام تأتى وقت كتابتي لأحب الناس ...
وقبل الختام أكتب إليك أمي بكلماته أيضا
شاخَ الزمانُ وطفلك المجنونُ
مشتقاقِ لأولِ منزلِ
مزال يطربُ للزمان الأولِ
وختامي لنفسي
(ربي اجعلني بارا بوالدتى ولا تجعلنى جبارا عصيا )
-
رسالتى الثانية : اكتبها منطبق علىَّ فيها (مذبذبين بين ذلك لا إلى ... ) هذا ولا إلى هذا ....
فرسالتى لوالدي تطاردنى فيها نظراته ، التي دائما ما كانت رسائل لا أستطيع كتابتها أو ترجمتها لحروف ...
فهي تصل ولا تترجم بالشفاه ، حتى وإن ادعيت (الغباء )، وعاندت ، واسترجعت كلامي معه في طفولتي العنيدة
لم يفهمنى ولم أفهم فى دنياي أكثر منه فقراءة العيون أسهل كثيرا ، وأسرع من الكلمات ، والغناء ، والبكاء ، والضحك و الحزن والفرح ....
فكلها تقرأ فى لحظة الالتقاء ...
(والله ما عارف أكتب له حاجة بجد )
كلما هممت اكتب كلمة لا أري على الورقة إلا عيناه ، بعمقها ، وتجاربها ، ومعانيها ، وحروف وكلمات أودنا كثيرة ترها إن أجدت تلك اللغة
عيناه
لامتنى كثيرا ، خافت علىَّ كثيراً ، أدمعت سراً ، دعت ، ابتهلت ، خشعت ، قوتنى مرارا وتكرارا ...
كلمات أكثر واسترسل فى الكلمات ، أشعر باحتقان لأن الحروف تموت حين تقال ، كما قال نزار قبانى ....
قبلة بين عينيك أبي ، وعلى ذلك الجبين ، وعلى كف سال العلم من بين أصابعه .....
سامحنى أبي خيانة الأقلام داء !!
(ربي ارزقنى عليما وعملا ، لأوفى أبي وأمى ويبلغنى جنتك )

وكالعادة لكي أختم ...... ألقى سلاماً
فسلاما لما تبقى بداخلى من طفولة ... أحاول المحافظة عليها !!!



............................................................................

كتب هذه الكلمات استكمالا لرسائله التي اعتاد أن يكتبها وينشرها على صفحته الخاصة على الفيس بوك .. ربما كان يخط كلمات رسائله تلك جالساً في غرفته بمنزله على سريره أو إلى مكتبه, ربما كتبها في جلسة مع بعض الأصدقاء تصادف فيها "نزول الوحي" وربما كتبها في نزهة في شارع من شوارع مدينته, أماكن كثيرة ربما يكون قد خط كلماته فيها, يجمعها جميعا أنه فيها كان حراً .. رسالته الأخيرة كتبها من مكان آخر "زنزانة 3 - إيراد – المحكوم – طرة" في هذا المكان هو لم يعد -كما كان- حراً.
أذكر جيدأ رسالته الأخيرة قبل أن يذهب -أو يُذهب به- إلى هناك, أسماها "كلمات متقاطعة" ,فيها كان يتساءل عن مصر, الحب, فلسطين, الله, الحياة, الكون وضم إليها أسئلة أخرى عن الجيش و الفلوس!
فيها كتب شروحا لبعض تساؤلاته وإجابات ليعض أسئلته وظل الأكثر بلا رد, مثلنا هو, لا يزال يصنع الأسئلة وهو يخطو خطواته نحو عامه الثالث والعشرين.

أبريل 1989 .. في هذا الشهر أتى إلى الدنيا, ربما يقترب عمره من عمر كثيرين منا أو يتماثل. في هذا الميعاد كانت بداية علاقته بكل ما تساءل عنه في رسالته, لكنه يومها لم يكن يدرك شيئا من ذلك.
تمر الأيام كما مرت على كثيرين غيره, المدرسة, الجامعة, عمر الطفولة يكل براءته وعمر الشباب بكل أحلامه طموحاته وانكساراته.

يناير 2011 .. كآلاف غيره قرر أن يفعل شيئا, في يوم من أيام الثورة الثمانية عشرة استقل السيارة من بلدته البعيدة إلى ميدان التحرير, نحى كل الاعتبارات جانبا وودع والدته وهي توصيه أن يجدد النية كي يكون شهيداً إن قدر الله لها فقده, لكن الله أراد له أن يكون ثائرا بعيداُ عن الميدان.

11 فبراير 2011 .. كملايين غيره .. للمرة الأولى يستنشق نسيم الحرية الذي لم يعرفه منذ وُلد, للمرة الأولى صار من حقه أن يحلم دون أن يخشى ضياع الحلم.

9 سبتمبر 2011 .. كعشرات غيره .. وجد نفسه بين جدران زنزانة ضيقة بتهمة "بلطجي", تمر عليه الأيام بين عتمة الزنزانة وعتمة الروح التي يطفئ نورها القهر. ربما يستعيد ذكريات الأيام والشهور السابقة "عيش حرية عدالة اجتماعية" "إحنا كرهنا الصوت الواطي" "يا حرية فينك فينك" "الشعب يريد...." ربما تختنق في عينيه العبرات وتختنق في عقله الأسئلة, وبصبر القلب على شفا حفرة من اليأس.

1 أكتوبر 2011 .. وحده يكتب رسالته تلك متشبثا بالإيمان الذي لم يعد يملك غيره .. الإيمان بربه أما الإيمان بـ"ها" فإني كغيري -خارج الزنزانة- لا ندري في أي لحظة من "العتمة" يمكن أن يكفر الإنسان بالوطن!!


* الكلمات بالأحرف المائلة في الرسالة لم أفهم مضمونها وأعتقد أن ناقلها أخطأ في كتابتها.

الأحد، أكتوبر 9

عــــــــــــــــــــــــــودة

منذ وقت اتفقنا أن نعود إلى التدوين سوياً, أن يكتب ثلاثتنا تدوينة في هذا اليوم بعد غياب طويل, ربما فكرنا أننا باتحادنا ذاك فقط سنمتلك القدرة على تطويع القلم الذي استعصى علينا كثيرا. ونستطيع أخيراً العودة إلى المكان الذي نحب, بعد ان اكتشفنا أننا أمضينا "عمرا" على فيس بوك وربما تويتر نكتب ونكتب .. لكنها لم تكن كتابة, كانت أشياء مبتورة, رغم كل شيء لا حياة فيها, هنا وهنا فقط يمكن لأناملنا أن تصنع صورة مكتملة كما نتمنى.
في اللحظة الاخيرة ولسببٍ ما تراجعت عن الاتفاق, لن أعود ولن أكتب, لكنني لم استطع ان أحرم نفسي قراءة ما كتبت صديقتاي العزيزتان .. وقرأت.. طوفان من الذكريات بدأ بالتدافع عبر خلايا عقلي بينما أقرأ .. ربما لو سألني أحد الآن ماذا كتبا لما تذكرت, لم يكن الأمر متعلقا بمعنى ما كُتب, إنما هو شيء آخر, سنوات إلى الوراء, اللحظة التي قررت فيها التدوين, الحيرة الطويلة في اختيار اسم المدونة, شكلها, تفاصيلها, تدوينتي الأولى, تدوينات الأصدقاء, الحياة التي بدأت تدب شيئا فشيئا في مدونتي, الأفكار المتجسدة على صفحتها أحرفاً وكلمات وأشياء أخرى كُثر .. التوقف عن التدوين ثم العودة, ثم التوقف, ثم العودة, ثم ................... التوقف عن الكتابة تماماً.
وامتزج طوفان الذكريات بكلمات أولئك الذي علمونا وآلمونا" اكْتُب تَكُنْ واقْرَأْ تَجِدْ وإذَا أرَدْتَ القولَ فافعل يتحِدْ ضِداك في المَعْنَى ... في يَدِي خَمسُ مرايا تعْكسُ الضَوْء الذي يَسْري من دَمِي ... الكِلْمَة دِينْ منْ غِير إيدِينْ ... الكِلْمَة نِجْمَة كَهْرَبِية في الضبَاب " ... هنا قررت أن أزيح التراب عن المرايا في يدي كي تستطيع أن تعكس الضوء الساري على أمل أن يتحد الضدان في المعنى ويتولد النور فينقشع الضباب وأوفي الدين.
ولكن .. هنا يبرز السؤال: ماذا أكتب؟!! ولا إجابة .. ليس لأن ما يحتاج أن يُكتب عنه قليل, فما أكثره!! لكن لأن الإدراك في كل ذلك الكثير -ولسبب ما أجهله- لم يكتمل .. وصارت كل الصور - على كثرتها- ناقصة; ناقصة في ذاتها , وناقصة في عقلي.
ولكن .. لم أهتم, فلتذهب كل التفاصيل والأعذار إلى الجحيم وليبقَ شيء واحد فقط أن حياتنا فيما نكتب وأن حياة ما نكتب فيمن يقرأون أحبوا ما كتبناه أم لم يفعلوا .. لأجل ذلك بدأت على أمل أن تكون هي الخطوة في طريق الألف ميل.

وعذراً للإزعاج.

تدوينات الأصدقاء:

الجمعة، ديسمبر 3

حتى نعــذر أمام الله

Ent7abat@ ………
كان هذا العنوان الإلكتروني هو ما تصدر رأس الصفحة المليئة عن آخرها بتفاصيل الانتخابات في كل محافظة من محافظات مصر كل على حدة ...
بالطبع لست أكتب هنا لاستنكر وأتساءل كيف لجريدة بقيمة وقامة وتاريخ "الوفد" أن تستخدم الفرانكو آراب!! فقد أضحى الأمر "عاديا" وربما نوشك أن تُقر الفرانكو لغة رسمية في البلاد إلى جوار –أو ربما ما قبل- العربية, إضافة إلى أنه قد ألم بالجسد أمراض أخرى وكطبيعة بشرية تستوقفنا الأشياء المستجدة إلى حد قد يجعلنا ننسى الكوارث القديمة مهما عظمت.ـ

Ent7abat
قرأتها كما قد يقرؤها أي شخص للوهلة الأولى, وتساءلت حينها هل سقطت الـ " ' " سهواً من الكاتب أم أنها مقصودة؟ إذ أن الكلمة في هذه الحالة لن تُقرأ "انتخابات" وإنما "انتحابات" ..
وحيث أنهم يقولون أن زلات اللسان إنما تعبر عن مكنون نفس الإنسان, فقد جاءت هذه الكلمة على هذه الصورة لتعبر عن الحقيقة المختصرة لما حدث طوال الأيام أو الأسابيع أو ربما الشهور الفائته.
ـ(النَّحْبُ والنَّحِـيبُ: رَفْعُ الصَّوتِ بالبكاءِ، وفي المحكم: أَشدُّ البكاءِ, و في القاموس النحب أشد البكاء, و نحب نحِـيباً، والانْتِحابُ مثله، وانتَحَبَ انتِحاباً. ) هكذا يقول لسان العرب في تعريف الكلمة.
انتِحاب .. هذا تحديداً ما نفعله الآن وما كنا نفعله منذ زمن, "ننتحب" ولا نفعل أكثر من هذا, ننتحب على حالنا حينا وعلى حال بلدنا حينا آخر مكتفين بهذا الانتحاب رائين أننا قد أدينا واجبنا على أكمل وجه تجاه الوطن الذي نرى كم أصبح حاله مزريا, وكلما ازدات الدموع نما شعورنا بالرضا متجاهلين –سهوا حيناَ وعن عمد أحايين كثيرة- أن مصر قد سئمت بكاءنا عليها الذي ما عاد - ولا كان يوما – يسمن ولا يغني من جوع.
بعدما انتهت المسرحية السخيفة التي "استمتعنا" بمشاهدتها طوال شهور مضت, أو كادت تنتهي, وبنظرة خاطفة على كل ما حدث, تلتها نظرة متفحصة, أدركت أن "الكل خائن" , وأما مصر فقد تفرق دمها المسفوح بيننا جميعا دون استثناء - إلا من رحم ربي-ـ
نعم كلنا مذنبون .. أنا لم اذهب للتصويت يوم "الأحد" وربما أنت لم تفعل. لماذا؟ ربما يأسا مبعثه يقين بالتزوير أو ربما بحجة "المقاطعة" وكلاهما عذران يوشكان أن يصيرا أقبح من الذنب, والذنب هنا ليس الامتناع عن "التصويت" في ذاته وإنما الاكتفاء دوماً بالمشاهدة والتنديد, فكلنا يعلم أن المقاطعة ما كانت لتجدي لأن الأحزاب والجماعة قد ضربوا بالمبدأ عرض الحائط منذ البداية واتفقوا على ألا يتفقوا, أما إن كانت الحجة هي اليقين بالتزوير, فقد زُورت سواء شاركنا أم لم نفعل, أما نحن فاكتفينا بالمشاهدة ثم الصدمة ثم "الانتحاب"ـ
ترى ماذا كنا ننتظر؟ أن نستيقظ صباح الاثنين لنرى كل شيء على ما يرام؟ وأن نشاهد برلمانا يضاهي البرلمان البريطاني؟ .. كلا, كنا نعرف أن هذا لن يحدث أبدا, لن يحدث سواء "صوتنا" أم لم "نصوت". فلماذا استنكرنا ونددنا وشجبنا إذن؟ ألأن الحزب الحاكم قد قرر من باب –إن لم تستحِ فاصنع ما شئت- أن يحتل البرلمان احتلالا وأن يحصل على كل المقاعد –تقريبا-؟ نعم كان ما حدث "فجاَ" لكنه لم يغير في واقع الأمر شيئاً, في جميع الأحوال ستكون النتيجة أن الأغلبية للحزب المعَظم وأن مسلسل الانتخابات الرئاسية قد تم الانتهاء من تصويره ولم يعد ينقص سوى عرضه على المشاهدين في وقت لاحق.

لذلك كلنا مذنبون, لأننا كنا جزء من التمثيلية أو المسرحية بشكل أو بآخر, ولأننا ندرك تماما أنه مهما استنكرنا ونددنا فإن شيئا لن ينتغير .. ندرك تماما أن الانتخابات لن تغير شيئا لأنه حين تكون البذور فاسدة يستحيل أن يكون النبت صالحاً, وندرك تماما - أو علينا أن ندرك - أن شيئاً لن يتغير طالما أن الأمور على هذه الحال وأنه مطلوب منا أكثر بكثير مما نفعل –إن كنا نفعل-, ربما علينا أن نتساءل هل يكفي أن تمتنع عن الخطأ لتكون مصيباً وهل يكفي أن تجتنب الرذيلة لتكون فاضلا؟ وهل يكفي أن يتعلم الواحد منا ويحصل على شهادة ويعمل ويتزوج وينجب أبناء ويربيهم ويعلمهم ليعودوا فيفعلوا ما فعل!! هل هذا كافٍ؟

قد يكون هذا كافيا إن كنت مواطناً أمريكياً أو بريطانياً أو فرنسياً, لأنك حينها ستكون مواطناً في وطن "طبيعي" , أما أن تكون في وطن حاله كحال وطننا "المأسوف عليه" فلربما تحتاج أن تفعل أكثر كي تكون مواطنا حقيقيا, لأنك ستكون مسؤولا بطريقة او بأخرى عن حال البلد الذي أنت جزء منه, ولأنه يستحيل أن يكون "أضعف الإيمان" كافيا لنكون قد أدينا حق وطننا علينا حين يكون قد وصل به الحال إلى ما هو عليه.

أنا لا أكتب هذا لأنني أعرف جواباً محدداً لما يتوجب علينا أن نفعله كي نكون مواطنين صالحين في هذا الوطن مستحقين لأن نكون جزء منه, لكنني حين قرأت كيف يرى المهندس: محمد الصاوي "الوطنية" في نقاط عدة كانت إحداها أن الوطنية هي أن تقلع عن "تدخين السجائر أو الشيشة" , شعرت وكأنني أكاد اسمع مصر تقولها "الآن أرحل في قطار الموت ألعن كل خائن, فالكل يا مولاي خائن .. الكل يا مولاي خائن"ـ
,وأدركت أن أمامنا الكثير الكثير نفعله حتى نكفرعن ذنب الخيانة و حتى –ولو على الأقل- نعذر أمام الله في هذا البلد.