بـدون تعليـــــــق

___________________________

الأحد، يونيو 28

المهنــة: إنســـان

ـ لماذا أنت تتعب كل هذا التعب؟ وأنت تستطيع أن تكسب أضعافا مضاعفة من مهنتك الأصلية؟
ـ ولكن هذه هي مهنتي الأصلية
ـ ماذا؟
ـ أن أكون إنسانا
ـ طبيب يترك مهنة الطب ليكون إنسانا!! هل هذه وظيفة؟؟
ـ حين يفتقر الناس لإنسان يفهم, من خلال مشاركتهم مأساتهم, لا لمجرد أنه يحفظ الكتب, تصبح-للأسف- صفة الإنسان مهنة*

*****************************

حين أخبرتني أنها تفكر في الذهاب إلى (دكتور نفسي), لم تكن المرة الأولى التي أسمع فيها جملة كهذه, فليست وحدها تراودها تلك الفكرة. مزيج الحزن والياس والغضب الذي يؤدي إلى -ما نسميه نحن- اكتئاب, ينتهي بالكثير منا إلى التفكير في الذهاب إلى تلك العيادة التي نتخيل أننا سنخرج منها خالين من الأحزان كيوم ولدتنا أمهاتنا.
لكنها ليست الحقيقة, فلا هو اكتئاب, ولا ذلك الرجل لديه القدرة التي نتخيل أنه يملكها. هو ليس ذلك الرجل الغامض الذي يكتفي بأسئلته الغريبة عن حياة "المريض" منذ أن جاء إلى الدنيا, حتى ينتهي إلى كتابة (روشتة) من النصائح والأدوية "باهظة الثمن" ليحول حياة المريض من الأسود إلى الأبيض.
لكنه في الحقيقة لا يفعل أكثر من أنه يمارس الإنسانية معهم, لأنهم افتقدوا الإنسان فيمن حولهم, أو ربما افتقدوه في ذاتهم..
هنا...يصبح كل منا قادرا على أن يمتهن المهنة التي يسمونها (دكتور نفسي) بأن يكون إنسانا, أن يمنح الحب الدائم الصافي, وان يستقبل المشاعر بصدق وأمانة, حينها ربما لن نحتاج إلى طبيب نفسي, فكل منا طبيب نفسه, ولكن -فقط- شرط ألا يقاوم..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* من كتاب (عندما يتعرى الإنسان)-دكتور يحيى الرخاوي

السبت، يونيو 20

أحمــــــــــــــــد


شاهدته مرتين -عفوا- بل عرض التلفاز صورته ذاتها مرتين...مرتين فقط عرضها التلفاز، لكن من يدري ربما قد كرر الواقع صورته ألف مرة!!
يحاول أن يستجمع ما تبقى لديه من قوة يمنحها لأحباله الصوتية كي ينطق ما يريد, جراح جسده العميقة وجراح روحه الأكثر عمقا لم تمنعه أن يكون أكثر تماسكا. وقبل ذلك كله لم يمنعه أن عمره لم يتجاوز البضع سنوات وعشر...

ممدد داخل سيارة الإسعاف. يحكي بصوته الواهن عن ذلك اليوم الذي تساقطت فيه أحلامه الصغيرة مع ما تبقى من أجساد أقرب الناس إليه تحت ركام منزله..ليخرج هو بعد أيام وحيدا,جسدا مليئا بالجراح وروحا فقدت معنى البراءة..
هكذا كان هو -ذاته في المرتين-لكنني لم أكن أنا كما أنا في المرتين..

الرابع عشر من يناير...تلك كانت المرة الأولى التي أراه فيها, حينها انفطر القلب وانهمر الدمع وارتفعت الأيدي إلى الله ترجو أن يكون لهم ولنا عونا...

السابع عشر من يونيو... تلك كانت المرة الثانية, حينها لم ينفطر القلب, ولم يتحرك الدمع في المقل, ولم ترتفع الأيدي إلى الله تطلب العون بالحرارة ذاتها..فقط ذلك الشعور بأن النار قد خمدت, وبأنا نسينا ما لا يجب أن ننسى. فقط تلك القناعة المؤلمة أن حميتنا ودموعنا ودعاؤنا , كل ذلك يحتاج دماء تسال وحرمات تنتهك وعدادا للموتى لا يتوقف عن العد..

خمسة أشهر مضت على تلك الحرب, ومضى معها كل شيئ, عادوا هم إلى حياتهم ونحن إلى حياتنا, لكن من قال أن المفردات المتماثلة تحكي وقائع متماثلة!!,حياتهم وحياتنا, شتان بين هذه وتلك. ترى أيهما أفضل من الأخرى؟! بل أيهما يفضي إلى رضا من الله وأيهما يفضي إلى غضب؟!!!

ترى أين هو الآن أحمد*, ألا يزال حيا يرزق؟ أم في الجنة الفردوس يرزق؟..ترى لو حاولنا العد فكم أحمدا؟ سنجد وكم سنجد مني؟!!!!!!!!!!
___________________________________________________
*أحمد السموني: أحد أفراد عائلة السموني التي استشهد معظمها في حرب غزة, نقل عبر معبر رفح إلى مصر للعلاج بعد إصابته عدة إصابات بالغة الخطورة.