بـدون تعليـــــــق

___________________________

الثلاثاء، مارس 16

العالم في عيون صغيرة

كنت أدندن "أصبح الآن عندي بندقية"
نظرت إلي في اندهاش وسألتني: (إيه ده هو انتي بأه عندك بندقية!!!؟)ـ
ابتسمت وسألتها: وفيها إيه!
فأجابتني بفرح: كويس عشان نبقى نصطاد بيها حمام.
حينها تملكتني الحيرة, أترى علي أن اشفق على هذا الجيل الصغير الذي تعلم أن البنادق لا تستخدم سوى للصيد!!
أم أحسدهم لأنهم أدركوا مبكرا الحقيقة التي لم ندركها نحن, أن البنادق تصنع الآن فقط كي تقتل الحمائم!!!ـ

*****

كنا نتجول معا, أوقفتني مشيرة إلى صورة كبيرة رسمت على سور مدرسة وسألتني: هوه مين ده؟
أجبتها: ده رئيس مصر
- إزاي يعني رئيس مصر؟ يعني هو اللي عمل مصر؟
-لأ
-يعني هو اللي سماها مصر؟
-لأ
-طب يعني هو اللي بيحكم مصر؟
-أجبتها بنعم, فأطرقت لحظات ثم سألتني: هو حارب مين؟ يعني ضدنا احنا ولا ضد إسرائيل؟
- هو زمان كان ضد اسراائيل دلوقتي بصراحة ما اعرفش هو ضد مين.
- ايه اللي بتقوليه ده!!! مش هو مصري يبقى أكيد ضد إسرائيل.
*****
-Ok
قلتها لصديقتي ووضعت سماعة الهاتف, فوجدتها تنظر إلي بدهشة شديدة ثم سألتني: هي صاحبتك دي إنجليزية؟
لم أفهم سبب سؤالها فسألتها :ليه يعني؟
-أصلك بتقوليها
Ok
هي يعني مش بتفهم عربي؟
-أجبتها ببعض من الخجل: لأ طبعا بتفهم عربي.
فردت في حماسة: طب خلاص يبقى ليه تكلميها بالإنجليزي!!ماتقوليلها حاضر او طيب.
*****
في أحد شوارع المدينة الكبيرة, علقت اصابعها بملابسي وطلبت مني أن اتوقف,
اشارت إلى الأرض ثم سألتني: هي الأرض دي مكسرة ليه!!؟
أجبتها: عادي يعني مكسرة احنا في مصر.
-إزاي يعني عادي!! الميس في الحضانة قالتلنا إن ربنا خلق الأرض مستوية.
-نظرت إليها ببعض ابتسامة وبعض حزن و صمت.
*****************************************************
بعض المواقف التي حدثت معي وأختي الصغيرة.

الخميس، مارس 11

بالــــعربي


يحكى أنه حين فتح المسلمون الأندلس, وبعد انتشار الإسلام فيها, كتب علماء البلاد يستنكرون ما أسموه "ميوعة" الشباب في انجذابهم للغة العربية وخلطها بلغتهم الأم.

يقول د/مازن المبارك*:
(إن اللغة صفة الأمة في الفرد, وآية الانتساب إلى القوم, وحكاية التاريخ على اللسان, فمن أضاع لغته فقد تاه عن أمته وفقد نسبه وأضاع تاريخه).

إذن فاللغة ليست أحرفا تجتمع لتكون كلمات تقف مهمتها عند حد التواصل بين البشر, إنما هي هوية لصاحبها, تصنع ثقافته وتميز عقله وخلقه, ويصير ضياعها هو الخطوة الأولى على طريق انهيار الإنسان وانهيار الأمة.

ولكن نظرة واحدة على واقعنا الحالي, هي كافية لتؤكد أن حقيقة مفهوم اللغة غائبة عن الكثيرين, فالأمر تخطى ضعف اللغة عند ملايين الناس إلى حد إهمالها إهمالا تاما, فصارت مهمة الفصحى قاصرة على قراءة القرآن عند البعض, وأما دون ذلك فقد أغرقت المصطلحات الغربية الكثير من كلامنا اليومي, واضحى الآلاف منا يفضلون استخدام الإنجليزية على العربية, بل الأدهى من ذلك أن نمسخ لغتنا لنكتبها بأحرف لغة أخرى وتصير هي اللغة السائدة في التواصل الكتابي, على الهواتف المحمولة أو شبكة الانترنت.

وهنا من الطبيعي أن تجد آلاف الأصوات تتعالى لتتحدث عن روعة الإنجليزية وقدرتها على التعبير وكونها اللغة الأولى في العالم, آلاف الأقاويل التي يسوقها الكثيرون ليبرروا بعدهم عن العربية, وهنا أذكر قولا للمستشرق الفرنسي الشهير ماسينيون يقول فيه :(لِيصمد العربُ ، فالعالم بأمسّ الحاجة إليهم، وليحترموا عربيتهم ، هذه الآلة اللغوية الصافية التي تصلح لنقل اكتشافات الفكر في كافّة الأقطار والأمصار ، وليحافظوا على أصالتها فلا تنقلب مسخا مقلِّدا للغات الآرية ، أو أن تتخثـر في حدود ضيّقة شأن العبرانية الجديدة التي تخثـرتْ في الصهيونية المتطرفة)

يبدو أن ذلك الرجل "غير العربي" قد أدرك من قيمة العربية ما غفلناه نحن, ففعلنا بالضبط ما تمنى ألا نفعل, فقدنا احترامنا لعربيتنا وقلبناها مسخا, فتخثرت في حدود ضيقة جدا, وأنكرنا بهاءها وقدرتها التي اعترف بها الغرب قبل العرب في نقل اكتشافات العلم والفكر إلى كافة أقطار العالم.

وهنا ايضا, قد تعلو اصوات أخرى لتحدثك عن الواقع الذي تحول فيه العالم العربي إلى عالم استهلاكي, وتقدم الغرب فكريا وعلميا فأصبح من الطبيعي أن تحل الإنجليزية محل العربية على اعتبار أن تميز قومها يكسبها قوة وتميزا ومع أنه لا أحد يستطيع أن ينكر ما آل إليه حالنا العربي في كل مجالات الفكر والعلوم, لكن تظل هذه الأصوات حديث حق يراد به باطل, فليس معنى أن الحال قد انحدر بنا , أن نكمل نحن جميعا مسيرة الانحدار فنتخلى عن لغتنا ونضيع ما تبقى لنا منها, لأن اللغة تؤثر في كل مناحي الحياة, بل هي تستطيع أن تبني فكرا وعقلا قويما, وفي ذلك يقول الإمام ابن تيمية-رحمه الله- (إنّ اعتياد اللغة يؤثر في العقلِ والخلقِ والدينِ تأثيراً قويّاً بيّناً ، ويؤثر أيضاً في مشابهةِ صدرِ هذه الأمّةِ من الصحابةِ والتابعين ، ومشابهتهم تزيد العقلَ والدينَ والخلقَ).

إذن, فإن كنا نستنكر الحال الذي وصلت إليه أمتنا, فالأحرى بنا أن نتعاون كي ننهض بها, لا أن نجرها إلى الحضيض, وأن ندرك أن الحديث في قيمة اللغة عامة, والعربية خاصة, ليس حديث مثاليات وتشبث بفراغ أوأحلام تحلق في سماء الخيال دون أن تلامس أرض الواقع. إنما هو محاولة التشبث بأساس كينونتنا العربية الإسلامية, والبحث بين جوانب هذه اللغة العظيمة عن هويتنا الغائبة وروح الإسلام والشرق التي فقدناها.


وأخيرا لا يبقى سوى قول لمصطفى صادق الرافعي -رحمه الله- يقول فيه: (ما ذلّت لغة شعبٍ إلاّ ذلّ ، ولا انحطّت إلاّ كان أمره في ذهابٍ وإدبار، ومن هذا يفرض الأجنبيّ المستعمر لغته فرضاً على الأمّة المستعمَرة ، ويركبهم بها ، ويشعرهم عظمته فيها ، ويستلحِقهم من ناحيتها ، فيحكم عليهم أحكاماً ثلاثةً في عملٍ واحدٍ : أمّا الأول فحَبْس لغتهم في لغته سجناً مؤبّداً ، وأمّا الثاني فالحكم على ماضيهم بالقتل محواً ونسياناً ، وأمّا الثالث فتقييد مستقبلهم في الأغلال التي يصنعها ، فأمرُهم من بعدها لأمره تَبَعٌ ).

________________________________________________
*رئيس قسم اللغة العربية بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بدبي.

الجمعة، مارس 5

بين الصمت والأسئلة


"قالوا لنا ذات كذب أن أعمارنا هي الوقت الوحيد والمناسب لممارسة الحياة, لكنهم لم يخبرونا عن قهر يقضم أطراف ايامنا وعن غائب لن يأتي"ـ

تستعيد ذاكرتها تلك العبارة, قرأتها ذات مرة, لمست شيئا بقلبها, صدقتها, لامتهم على كذبهم, لكن الآن ورغم أن القهر لا يزال يقضم أطراف أيامها , والغائب لم يأت بعد, سامحتهم, هم لم يكذبوا, لكن حينها ربما كانت اصغر من أن تدرك أن للعمر والحياة معان آخرى, غير التي تعرف..

"إن الإنسان في حاجة إلى عامين ليتعلم الكلام وإلى ستين عاما ليتعلم الصمت"

تعلم أنها تخطت العامين بكثير, وشهادة ميلادها تقول أنها لم تصل بعد عمر الستين, لكن من قال أن العمر يقاس بما كتب على الورق, هي تعلم أن العمر يقاس بما كتب على صفحات القلب والعقل, لكن ترى هل وصلت سن الصمت!!!!!!!ـ

"هل شعرت ببلاغة الأشياء التي أقولها عندما لا أقول شيئا؟"

اكتشفت أن الأمر كذبة, أو أنهم لا يدركون أننا حين نصمت, لا يكون الأمر عجزا عن النطق بقدر ما أن الكلمات التي لا تقول الحقيقة بدقة, هي كلمات لا تستحق أن تقال, ولكن الصورة تظل في عيونهم اننا نصمت وفقط, ولأننا اخترنا الصمت فقد حملونا وزر النوايا.ـ

"ولأن الأسئلة تسكن في كل زاوية على هذه الأرض, أسئلة حمقاء واسئلة تعاني تخمة الأجوبة, وأسئلة يتيمة حرمت حضن الإجابة قبل أن تولد, فقد يقفز سؤال متشرد ليقول : ما سبب هذه الرسالة؟!!ـ

ولأن الأسباب هي إجابات لا تعترف بالحدود ولا يعترف بها وطن, فربما هو ذلك التمزق داخلها, الرغبة أن تقول الكثير, أن تصف ما تشعر به, أن تحكي كل ما يؤرقها, أن تصف الكون والناس والوطن, الرغبة التي تتحطم دوما على صخرة صمتها..

**********
ملحوظة: إلى كل من يقرأ فلتعتبروا أن ابنة العمر الطويل الذي ربما قد اقترب من الستين أو تخطاها, تعود إلى عمر العامين لتحاول من جديد أن تتعلم .... الكلام ...ـ