بـدون تعليـــــــق

___________________________

الجمعة، أكتوبر 21

كلمـــات متقاطعــــة

أشفق كثيرا على كتاب الأعمدة اليومية, كيف يستطيع هؤلاء أن يمسكوا القلم كل يوم ليكتبوا؟! أي معاناة تلك التي يمرون بها يوميا ليملأوا ورقة بيضاء بسطور من رحم أفكارهم؟! أي ألم ذلك الذي يعيشونه ليخرجوا لنا كل يوم ما نقرأه في دقائق عابرة غير عابئين في أغلب الأوقات بعِظم الجهد الذي بذلوه؟!. لأجل ذلك فإني -على عكس كثيرين غيري حسبما أعتقد- حين أمسك صحيفة ما, أقلب صفحاتها, أكون غالبا في انتظار أن أجد احد كتابي المفضلين قد ترك عموده فارغاً معتذرا عن الكتابة, وحين أرى العمود مكتوبا -ككل يوم- تصيبني الدهشة -ككل يوم- وأتساءل عن تلك الماكينة التي يخرج منها هؤلاء إبداعهم اليومي, ألا تتوقف أبداً؟!! ومنذ زمن بعيد أتمنى أن أمتلك ماكينة كتلك, لا أعني ماكينة مماثلة تماما فلن أكون طامعة إلى هذا القدر, فقط ماكينة كتلك التي يملكها كتاب الأعمدة الأسبوعية, تمكنني من التغلب على حالات التوقف عن الكتابة التي تصيبني كثيرا كثيراً دونما أن أعرف السبب. لكنني حتى تلك لم استطع امتلاكها, لأجل ذلك فأنا منذ ما يقرب من أسبوع أفكر في موضوع التدوينة التي سأكتبها اليوم. كنت قد قررت أن أكتب عن تلك الرواية التي أجلت قراءتها شهورا طويلة ثم قرأتها أخيرا و.. ابتسمت. ثم فكرت أن أكتب شيئا يعبر -ولو قليلا- عما نعيشه وعما تعيشه الثورة هذه الأيام, والبارحة وحين سمعت خبر مقتل القذافي فكرت: هل أكتب عنه؟! لكني لم أعرف كيف لي أن أكتب في خبر لم يثر في نفسي شيئا, لم أفرح ولم احزن ولم أهتم, مر الخبر -لسبب أحاول حتى الآن فهمه- مرورا عابرا كأي خبر عادي. وأخيرا فكرت أن أكتب عن الخبر الذي أظنه لن يمر مرورا عابرا إذا حدث, الخبر الذي أتمناه منذ وقت وأظنني سأفرح إن حدث, أن أشاهد بشار الأسد كما شاهدنا القذافي بالأمس, ولا أدري لماذا تختلف سوريا عن ليبيا والجرح واحد!!
لكنني عجزت أن أكتب في أي من تلك الموضوعات, حينها وجدتني أذكره حين قال لي أن سبب عجزي عن الكتابة هو انعزالي لفترة عن العالم واكتفائي بالقيام ببعض الأعمال الصغيرة المتكررة داخل جدران أربع. يومها قلت له لا أظن هذا التفسير صحيحا, واليوم أنا واثقة أنه قد جانبه الصواب حينها, فالانعزال قد انتهى تقريبا والأعمال الصغيرة زادت وانضم إليها بعض الأعمال الكبيرة والجدران الأربعة لم تحدني طوال الوقت كما كانت. فأفكر أيكون السبب حقا أن العبارة تضيق كلما اتسعت الرؤية؟!!! .. أم أن الحقيقة ليست كما قال هو أو قال النفري وإنما كما كتب أحد الزملاء: "- قلمك, هل أصابه الصدأ؟ - كلا, إنه قلبي"ـ
وظل الحال على ما هو عليه حائرة فيما أكتب إلى أن توقف صدفة أمام صورة على صفحتي الرئيسية على الفيس بوك, كانت جزء من رابط شاركته إحدى الصفحات. لفتت انتباهي الصورة, أعرفها جيدا, أعرف تلك الخطوط البسيطة وأحفظها عن ظهر قلب, إنها ذاكرة الطفولة التي نحتفظ بتفاصيلها كما النقش على الحجر. كان عنوان الخبر بجانب الصورة "وفاة حجازي رسام الكاريكاتير المصري عن عمر يناهز 71 عام". نعم إنه هو! هو ولا أحد غيره, ذلك الرسام الذي كنا ننتظر لوحاته الكاريكاتورية كل أربعاء في المجلة العزيزة "ماجد", أيامها لم أكن أعلم أنه مصري ولم أفكر أن أسأل عن جنسيته أبدا. اليوم وحين توفي أدركت أن رسامنا المحبوب أيام الصغر ليس فقط من بلدي المحبوب, إنما هو أيضا قد رسم بريشته على صفحات روز اليوسف وصباح الخير والأهالي!, رسام الصغر لم يكن يرسم للأطفال فقط كما اعتقدت, كان أحد أعلام فن الكاريكاتير السياسي!
طوفان الذكريات الذي راح يتدافع في عقلي وأنا أقرأ الخبر كان كافيا لتسيل من العين دمعة على حين غرة, دمعة لم أفهم حقيقتها, أهو الحزن على فقد الفنان الذي أحببناه صغاراً؟! أم هو الألم الذي تبعثه كراهية الفقد في كل أشكاله وصوره ؟! أم هو الحنين لكل ما كان في الماضي البعيد؟! ..... لم أعلم -وربما لن أعلم- أبدا .. فقط ما أعلمه هو أننا حقاً أسرى ذكرياتنا الحلوة.

الأحد، أكتوبر 16

رسائل من العتمة


هذه المرة أحدد أشخاصا بعينهم لتصلهم رسائل ، لعلها تعبر عن نصف ما يضيق به صدرى ولا ينطق به لساني ...

سامحك الله ، أختي الوسطى ، على ذلك الإهداء (ديوان أستاذي فاروق جويدة – هذه بلاد لم تعد كبلادي - ) وشكرا – أيضا – أنه أوحى لى بتلك الكلمات ...
-----
.... رسالتي الأولى لـ (أمي – أبي )
هيا نبدأ ...
... صبرا جميلا
إن ضوء الصبح لآت ....
في زيارتها الأخيرة ، وفى نفس الإهداء ، في آخر أوراقه ، كتبت لي أمي من كلمات جويدة ، تلك الحروف السابقة .
رغم أنى أعز مالها في الدنيا ، ودموعها أسرع من الشلالات لأبسط المواقف الإنسانية حتى التي لا تمت إليها بصلة ...
فهي لم تسمح لأحدى قطرات الضعف الرجولي (كما ينطبق عليها عندنا في الصعيد ) – لم تسمح لها نزولا ، وهى تحتويني بين ذراعيها ، وكأنها تمتص ما امتلأ به صدري من أشجان و اشتياق ، وكراهية (للعتمة ) لتحمله عنى .....
وكراهيتي للعتمة التي أصبحت وأمسيت و خاصمتني صديقتي الشمس فيها .....
حتى في فضاء السماوات وكأنها غادر الأرض وراحت تبحث عن مكان غير (طره ) لتستقر فوقه !!
كما ....
علمتني أن تاجَ المرءِ في نبل الصفاتْ
أن الشجاعةَ أن أقاوم شح نفسي ....
أن أقاوم خسةَ الغايات ....
هذا ما ربتني عليه ....
وكأن عينيها تكاد (في زيارتها لي في طره ) تحكى قصة يوسف الصديق ، والتي حفظتها عن ظهر قلب ....
وتكرر ما نزل على المصطفى عليه الصلاة والسلام ....
(إن مع العسر يسرا )
فسلاما عليك يا أمي ... (وسامحيني تعبتك معايا )
لم أوفيك ولن أستطيع ، وكالعادة خيانة الأقلام تأتى وقت كتابتي لأحب الناس ...
وقبل الختام أكتب إليك أمي بكلماته أيضا
شاخَ الزمانُ وطفلك المجنونُ
مشتقاقِ لأولِ منزلِ
مزال يطربُ للزمان الأولِ
وختامي لنفسي
(ربي اجعلني بارا بوالدتى ولا تجعلنى جبارا عصيا )
-
رسالتى الثانية : اكتبها منطبق علىَّ فيها (مذبذبين بين ذلك لا إلى ... ) هذا ولا إلى هذا ....
فرسالتى لوالدي تطاردنى فيها نظراته ، التي دائما ما كانت رسائل لا أستطيع كتابتها أو ترجمتها لحروف ...
فهي تصل ولا تترجم بالشفاه ، حتى وإن ادعيت (الغباء )، وعاندت ، واسترجعت كلامي معه في طفولتي العنيدة
لم يفهمنى ولم أفهم فى دنياي أكثر منه فقراءة العيون أسهل كثيرا ، وأسرع من الكلمات ، والغناء ، والبكاء ، والضحك و الحزن والفرح ....
فكلها تقرأ فى لحظة الالتقاء ...
(والله ما عارف أكتب له حاجة بجد )
كلما هممت اكتب كلمة لا أري على الورقة إلا عيناه ، بعمقها ، وتجاربها ، ومعانيها ، وحروف وكلمات أودنا كثيرة ترها إن أجدت تلك اللغة
عيناه
لامتنى كثيرا ، خافت علىَّ كثيراً ، أدمعت سراً ، دعت ، ابتهلت ، خشعت ، قوتنى مرارا وتكرارا ...
كلمات أكثر واسترسل فى الكلمات ، أشعر باحتقان لأن الحروف تموت حين تقال ، كما قال نزار قبانى ....
قبلة بين عينيك أبي ، وعلى ذلك الجبين ، وعلى كف سال العلم من بين أصابعه .....
سامحنى أبي خيانة الأقلام داء !!
(ربي ارزقنى عليما وعملا ، لأوفى أبي وأمى ويبلغنى جنتك )

وكالعادة لكي أختم ...... ألقى سلاماً
فسلاما لما تبقى بداخلى من طفولة ... أحاول المحافظة عليها !!!



............................................................................

كتب هذه الكلمات استكمالا لرسائله التي اعتاد أن يكتبها وينشرها على صفحته الخاصة على الفيس بوك .. ربما كان يخط كلمات رسائله تلك جالساً في غرفته بمنزله على سريره أو إلى مكتبه, ربما كتبها في جلسة مع بعض الأصدقاء تصادف فيها "نزول الوحي" وربما كتبها في نزهة في شارع من شوارع مدينته, أماكن كثيرة ربما يكون قد خط كلماته فيها, يجمعها جميعا أنه فيها كان حراً .. رسالته الأخيرة كتبها من مكان آخر "زنزانة 3 - إيراد – المحكوم – طرة" في هذا المكان هو لم يعد -كما كان- حراً.
أذكر جيدأ رسالته الأخيرة قبل أن يذهب -أو يُذهب به- إلى هناك, أسماها "كلمات متقاطعة" ,فيها كان يتساءل عن مصر, الحب, فلسطين, الله, الحياة, الكون وضم إليها أسئلة أخرى عن الجيش و الفلوس!
فيها كتب شروحا لبعض تساؤلاته وإجابات ليعض أسئلته وظل الأكثر بلا رد, مثلنا هو, لا يزال يصنع الأسئلة وهو يخطو خطواته نحو عامه الثالث والعشرين.

أبريل 1989 .. في هذا الشهر أتى إلى الدنيا, ربما يقترب عمره من عمر كثيرين منا أو يتماثل. في هذا الميعاد كانت بداية علاقته بكل ما تساءل عنه في رسالته, لكنه يومها لم يكن يدرك شيئا من ذلك.
تمر الأيام كما مرت على كثيرين غيره, المدرسة, الجامعة, عمر الطفولة يكل براءته وعمر الشباب بكل أحلامه طموحاته وانكساراته.

يناير 2011 .. كآلاف غيره قرر أن يفعل شيئا, في يوم من أيام الثورة الثمانية عشرة استقل السيارة من بلدته البعيدة إلى ميدان التحرير, نحى كل الاعتبارات جانبا وودع والدته وهي توصيه أن يجدد النية كي يكون شهيداً إن قدر الله لها فقده, لكن الله أراد له أن يكون ثائرا بعيداُ عن الميدان.

11 فبراير 2011 .. كملايين غيره .. للمرة الأولى يستنشق نسيم الحرية الذي لم يعرفه منذ وُلد, للمرة الأولى صار من حقه أن يحلم دون أن يخشى ضياع الحلم.

9 سبتمبر 2011 .. كعشرات غيره .. وجد نفسه بين جدران زنزانة ضيقة بتهمة "بلطجي", تمر عليه الأيام بين عتمة الزنزانة وعتمة الروح التي يطفئ نورها القهر. ربما يستعيد ذكريات الأيام والشهور السابقة "عيش حرية عدالة اجتماعية" "إحنا كرهنا الصوت الواطي" "يا حرية فينك فينك" "الشعب يريد...." ربما تختنق في عينيه العبرات وتختنق في عقله الأسئلة, وبصبر القلب على شفا حفرة من اليأس.

1 أكتوبر 2011 .. وحده يكتب رسالته تلك متشبثا بالإيمان الذي لم يعد يملك غيره .. الإيمان بربه أما الإيمان بـ"ها" فإني كغيري -خارج الزنزانة- لا ندري في أي لحظة من "العتمة" يمكن أن يكفر الإنسان بالوطن!!


* الكلمات بالأحرف المائلة في الرسالة لم أفهم مضمونها وأعتقد أن ناقلها أخطأ في كتابتها.

الأحد، أكتوبر 9

عــــــــــــــــــــــــــودة

منذ وقت اتفقنا أن نعود إلى التدوين سوياً, أن يكتب ثلاثتنا تدوينة في هذا اليوم بعد غياب طويل, ربما فكرنا أننا باتحادنا ذاك فقط سنمتلك القدرة على تطويع القلم الذي استعصى علينا كثيرا. ونستطيع أخيراً العودة إلى المكان الذي نحب, بعد ان اكتشفنا أننا أمضينا "عمرا" على فيس بوك وربما تويتر نكتب ونكتب .. لكنها لم تكن كتابة, كانت أشياء مبتورة, رغم كل شيء لا حياة فيها, هنا وهنا فقط يمكن لأناملنا أن تصنع صورة مكتملة كما نتمنى.
في اللحظة الاخيرة ولسببٍ ما تراجعت عن الاتفاق, لن أعود ولن أكتب, لكنني لم استطع ان أحرم نفسي قراءة ما كتبت صديقتاي العزيزتان .. وقرأت.. طوفان من الذكريات بدأ بالتدافع عبر خلايا عقلي بينما أقرأ .. ربما لو سألني أحد الآن ماذا كتبا لما تذكرت, لم يكن الأمر متعلقا بمعنى ما كُتب, إنما هو شيء آخر, سنوات إلى الوراء, اللحظة التي قررت فيها التدوين, الحيرة الطويلة في اختيار اسم المدونة, شكلها, تفاصيلها, تدوينتي الأولى, تدوينات الأصدقاء, الحياة التي بدأت تدب شيئا فشيئا في مدونتي, الأفكار المتجسدة على صفحتها أحرفاً وكلمات وأشياء أخرى كُثر .. التوقف عن التدوين ثم العودة, ثم التوقف, ثم العودة, ثم ................... التوقف عن الكتابة تماماً.
وامتزج طوفان الذكريات بكلمات أولئك الذي علمونا وآلمونا" اكْتُب تَكُنْ واقْرَأْ تَجِدْ وإذَا أرَدْتَ القولَ فافعل يتحِدْ ضِداك في المَعْنَى ... في يَدِي خَمسُ مرايا تعْكسُ الضَوْء الذي يَسْري من دَمِي ... الكِلْمَة دِينْ منْ غِير إيدِينْ ... الكِلْمَة نِجْمَة كَهْرَبِية في الضبَاب " ... هنا قررت أن أزيح التراب عن المرايا في يدي كي تستطيع أن تعكس الضوء الساري على أمل أن يتحد الضدان في المعنى ويتولد النور فينقشع الضباب وأوفي الدين.
ولكن .. هنا يبرز السؤال: ماذا أكتب؟!! ولا إجابة .. ليس لأن ما يحتاج أن يُكتب عنه قليل, فما أكثره!! لكن لأن الإدراك في كل ذلك الكثير -ولسبب ما أجهله- لم يكتمل .. وصارت كل الصور - على كثرتها- ناقصة; ناقصة في ذاتها , وناقصة في عقلي.
ولكن .. لم أهتم, فلتذهب كل التفاصيل والأعذار إلى الجحيم وليبقَ شيء واحد فقط أن حياتنا فيما نكتب وأن حياة ما نكتب فيمن يقرأون أحبوا ما كتبناه أم لم يفعلوا .. لأجل ذلك بدأت على أمل أن تكون هي الخطوة في طريق الألف ميل.

وعذراً للإزعاج.

تدوينات الأصدقاء: