بـدون تعليـــــــق

___________________________

الخميس، مارس 11

بالــــعربي


يحكى أنه حين فتح المسلمون الأندلس, وبعد انتشار الإسلام فيها, كتب علماء البلاد يستنكرون ما أسموه "ميوعة" الشباب في انجذابهم للغة العربية وخلطها بلغتهم الأم.

يقول د/مازن المبارك*:
(إن اللغة صفة الأمة في الفرد, وآية الانتساب إلى القوم, وحكاية التاريخ على اللسان, فمن أضاع لغته فقد تاه عن أمته وفقد نسبه وأضاع تاريخه).

إذن فاللغة ليست أحرفا تجتمع لتكون كلمات تقف مهمتها عند حد التواصل بين البشر, إنما هي هوية لصاحبها, تصنع ثقافته وتميز عقله وخلقه, ويصير ضياعها هو الخطوة الأولى على طريق انهيار الإنسان وانهيار الأمة.

ولكن نظرة واحدة على واقعنا الحالي, هي كافية لتؤكد أن حقيقة مفهوم اللغة غائبة عن الكثيرين, فالأمر تخطى ضعف اللغة عند ملايين الناس إلى حد إهمالها إهمالا تاما, فصارت مهمة الفصحى قاصرة على قراءة القرآن عند البعض, وأما دون ذلك فقد أغرقت المصطلحات الغربية الكثير من كلامنا اليومي, واضحى الآلاف منا يفضلون استخدام الإنجليزية على العربية, بل الأدهى من ذلك أن نمسخ لغتنا لنكتبها بأحرف لغة أخرى وتصير هي اللغة السائدة في التواصل الكتابي, على الهواتف المحمولة أو شبكة الانترنت.

وهنا من الطبيعي أن تجد آلاف الأصوات تتعالى لتتحدث عن روعة الإنجليزية وقدرتها على التعبير وكونها اللغة الأولى في العالم, آلاف الأقاويل التي يسوقها الكثيرون ليبرروا بعدهم عن العربية, وهنا أذكر قولا للمستشرق الفرنسي الشهير ماسينيون يقول فيه :(لِيصمد العربُ ، فالعالم بأمسّ الحاجة إليهم، وليحترموا عربيتهم ، هذه الآلة اللغوية الصافية التي تصلح لنقل اكتشافات الفكر في كافّة الأقطار والأمصار ، وليحافظوا على أصالتها فلا تنقلب مسخا مقلِّدا للغات الآرية ، أو أن تتخثـر في حدود ضيّقة شأن العبرانية الجديدة التي تخثـرتْ في الصهيونية المتطرفة)

يبدو أن ذلك الرجل "غير العربي" قد أدرك من قيمة العربية ما غفلناه نحن, ففعلنا بالضبط ما تمنى ألا نفعل, فقدنا احترامنا لعربيتنا وقلبناها مسخا, فتخثرت في حدود ضيقة جدا, وأنكرنا بهاءها وقدرتها التي اعترف بها الغرب قبل العرب في نقل اكتشافات العلم والفكر إلى كافة أقطار العالم.

وهنا ايضا, قد تعلو اصوات أخرى لتحدثك عن الواقع الذي تحول فيه العالم العربي إلى عالم استهلاكي, وتقدم الغرب فكريا وعلميا فأصبح من الطبيعي أن تحل الإنجليزية محل العربية على اعتبار أن تميز قومها يكسبها قوة وتميزا ومع أنه لا أحد يستطيع أن ينكر ما آل إليه حالنا العربي في كل مجالات الفكر والعلوم, لكن تظل هذه الأصوات حديث حق يراد به باطل, فليس معنى أن الحال قد انحدر بنا , أن نكمل نحن جميعا مسيرة الانحدار فنتخلى عن لغتنا ونضيع ما تبقى لنا منها, لأن اللغة تؤثر في كل مناحي الحياة, بل هي تستطيع أن تبني فكرا وعقلا قويما, وفي ذلك يقول الإمام ابن تيمية-رحمه الله- (إنّ اعتياد اللغة يؤثر في العقلِ والخلقِ والدينِ تأثيراً قويّاً بيّناً ، ويؤثر أيضاً في مشابهةِ صدرِ هذه الأمّةِ من الصحابةِ والتابعين ، ومشابهتهم تزيد العقلَ والدينَ والخلقَ).

إذن, فإن كنا نستنكر الحال الذي وصلت إليه أمتنا, فالأحرى بنا أن نتعاون كي ننهض بها, لا أن نجرها إلى الحضيض, وأن ندرك أن الحديث في قيمة اللغة عامة, والعربية خاصة, ليس حديث مثاليات وتشبث بفراغ أوأحلام تحلق في سماء الخيال دون أن تلامس أرض الواقع. إنما هو محاولة التشبث بأساس كينونتنا العربية الإسلامية, والبحث بين جوانب هذه اللغة العظيمة عن هويتنا الغائبة وروح الإسلام والشرق التي فقدناها.


وأخيرا لا يبقى سوى قول لمصطفى صادق الرافعي -رحمه الله- يقول فيه: (ما ذلّت لغة شعبٍ إلاّ ذلّ ، ولا انحطّت إلاّ كان أمره في ذهابٍ وإدبار، ومن هذا يفرض الأجنبيّ المستعمر لغته فرضاً على الأمّة المستعمَرة ، ويركبهم بها ، ويشعرهم عظمته فيها ، ويستلحِقهم من ناحيتها ، فيحكم عليهم أحكاماً ثلاثةً في عملٍ واحدٍ : أمّا الأول فحَبْس لغتهم في لغته سجناً مؤبّداً ، وأمّا الثاني فالحكم على ماضيهم بالقتل محواً ونسياناً ، وأمّا الثالث فتقييد مستقبلهم في الأغلال التي يصنعها ، فأمرُهم من بعدها لأمره تَبَعٌ ).

________________________________________________
*رئيس قسم اللغة العربية بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بدبي.

هناك 10 تعليقات:

Dr baker يقول...

لغة أي قوم تستمد قيمتها من أمرين
1- قوة حضارة اصحاب اللغة
2- إعتزاز أصحاب اللغة بلغتهم
اللغة الانجليزية التي تسود العالم الان لغة غير أصيلة وتستمد كلماتها من اشتقاقات اللغة الاغريقية واليونانية. بل وتخترع كلمات وتعطيها معاني قد لاتكون لها أصلا.
لكنها لغة بريطانيا العظمى ثم أمريكا الاعظم
اللغة العربية لن تموت لأنها لغة القرآن.
لكن المتكلمين بها قد يندسروا يوما ما,إلا أن يعودا لحضارتهم ومعها لغتهم

Mahmoud Alkelany يقول...

ليس تعليقا على المقال ولكن اعتراضا على ما هو مكتوب اعلى الصفحة ان شرف الله هو الكلمة من باب من راى منكم منكرا فليغيره, لقد قمت باضافة الشرف الى الله بينما هى صفة للمخلوقين لانها مكتسبة ولان الله لم يسمى نفسه شريفا فصفات الله ناخذها من كلامه فى وصفه نفسه وليس من اجتهادنا, لا حول ولا قوة الا بالله

محاولة لكسر الصمت يقول...

د/بكر..والدي العزيز:

نعم لا ننكر كل ما تفضلت به, لكن لا يجوز أن يكون مبررا لنا لنفعل ما نفعله..

scroveez:ـ

شرف الله هو الكلمة
ـــــــــــــــ
لا أدري لماذا -ومنذ قراءتي الأولى لهذه الكلمات- لم افهمها باعتبار أن الشرف صفة لله, وإنما بمعنى أن احترام الكلمة هو نوع من احترام علاقة الفرد بشرف علاقته مع الله, لكنني أعترف أن هذا كان خطأ مني, فتركيبة الجملة لا تفسَر بتفسيري,
شكرا لك على تعليق وجزاك الله كل الخير..



شرفتني بالزيارة

Mahmoud Alkelany يقول...

جزاك الله خير

فى الحقيقة انا توقعت ان يتم شتمى او اتهامى بالجهل على اقل تقدير

شكرا لك

صوت من مصر يقول...

مش عارف ابلغك واقولك ايه
ولكنى بجد لا افهم الكثير فى اللغة
وابلغ رد حينما تكتبين عندى تعليقك تقولين
انت تفتقد الادب اللغوى
بمعنى او باخر
وعموما رجعنا نكتب تانى
وفرحت كتير

الجنوبى يقول...
أزال المؤلف هذا التعليق.
الجنوبى يقول...
أزال المؤلف هذا التعليق.
Mahmoud Alkelany يقول...

وكيف يكون الكلام من صفات الله , هل هناك نص؟ وهل وصف رنا نفسه بانه المتكلم؟

محاولة لكسر الصمت يقول...

scroveez:
وإن لم اقتنع برأيك, فما هكذا تعلمنا عن أخلاق الاختلاف.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

صوت من مصر:
لا أظن اتقان اللغة أو "فهمها" على حد تعبيرك بالشيئ العسير, أما أنك تفتقد الأدب اللغوي, فلا اقصد هذا بالضبط, لأنني قرات لك قبلا أعمالا عميقة جدا لكنك فقط تحتاج أن تجعلها أجمل.

وشكرا لك..

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الجنوبي:

شكرا لك.




تحياتي

Mahmoud Alkelany يقول...

عفوا كان تعليقى الاخير على الجنوبى

شكرا لك