ولأنني -كما تأكدت مؤخراً- فاشلةٌ تماما في الكتابة خصوصاً -والتعبير عموماً- حين يكون مطلوباً مني أن أفعل, خالفت الاتفاق مرة أخرى وتأخرت عن الموعد المحدد يومين كاملين. قضيتهما في صراعٍ مرير مع ذاتي ومحاولة للتغلب على هذه المزاجية المقيتة في الكتابة.
هناك عشرات الأفكار المطروحة والتي يمكنني الكتابة عنها, لماذا لا أكتب عن اكتمال القمر الذي اكتشفت مؤخراً انه أقل جمالاً من الطور الغير مكتمل؟ أو عن القرار الجمهوري الذي أعادني لعالم السياسة بعد إجازة لا إرادية دامت أياما؟ أو .... أو .... أو.
وبالطبع -كعادتي- أعجز عن الكتابة عن أي مما أقرر الكتابة فيه متعمدة. فلا كتبت عن القمر ولا عن القرار.
ومر اليومان, وفي ساعة من الساعات الأخيرة أجد ما أكتب عنه, في تلك اللحظة التي ضبطت نفسي فيها متلبسة بقول "فًكّك" في رد على أخي الأصغر تعقيباً على مسألة ما كنت أريد أن أخبره بأن يصرف نظره عنها.
يدرك كل من يعرفني جيداّ أنني تربطني علاقة حميمة باللغة العربية وأنني أحب استخدامها كثيراً وأكره الإساءة إليها. بالطبع هذا لا يعني أنني أحيي أمي حين ألقاها بعد استيقاظي قائلة "عمتِ صباحاً". إنما أنا فقط أحبذ استخدامها كثيراً في التواصل عبر الفضاء الإليكتروني وأكره في المقابل كُتاب العامية واختراع "الفرانكو آراب".
هذا بالحديث عما نكتب, أما إن تحدثنا عما نقول, فتلك قصة أخرى .. أذكر جيداً منذ سبع سنوات حين سمعت صديقتي المهذبة جداً تعلق على موقف ما قائلة قشطة أو "إشطة" أنني صدمت صدمة شديدة, شعرت يومها باشمئزاز شديد من الكلمة وبغضب من استخدام صديقتي لمثل تلك الكلمة "البيئة" .. اليوم أنا أستخدم هذه الكلمة دون أدنى شعور بالاشمئزاز أو الضيق, بل أنني لا أذكر حتى تلك المرة التي استخدمت فيها اللفظة للمرة الأولى أوالمسافة الزمنية بين تلك المرة الأولى والوضع الحالي الذي صارت هذه الكلمة من المفردات المعتادة جدا في قاموسي اللغوي.
كل هذه الأفكار دارت في ذهني في تلك اللحظة التي وجدتني فيها أخاطب أخي الأصغر قائلة ( فًكّك) .. كيف أستخدم تلك المصطلحات التي كنت أرفضها يوماً؟ وهل هذه هي المرة الأولى التي أستخدمها أم أنني فعلتها قبلاً دون أن أنتبه؟
يمكنني أن أهون على نفسي قليلاً بالقول أن " فًكّك " لها أصل في اللغة (فكّ الشيء فكّاً: أي فصل أجزاءه) وهنا لا أكون قد ارتكبت جريمة في حق اللغة وحق نفسي حين أستخدم هذه الكلمة.
(تبالغين جداً) .. أعتقد أن هذا ما يدور في ذهنك الآن .. وأعتقد -أنه طبقا لما نعيشه- أنت على حق, لكن طبقا لما أؤمن به لا أنت على حق حين تراني أبالغ ولا أنا على حق حين أفعل ما كنت أشمئز منه يوماً ما دون تغير مقنع يجعلني أقبل على ذلك.
قد أجد مبررا لاستخدام " فًكّك" لكنني يستحيل أن أجد مبرراً -وربما أنت أيضا- ل "نهيس" "مهيبر" "كوول"* أو أن "اللي فات حمادة واللي جاي حمادة تاني خالص" فحتى وإن كان حمادة اسم عربي فأنت بالتأكيد لا تعرف لماذا لا يكون اللي فات ميدو واللي جاي ميدو تاني خالص مثلا؟!
كل هذه المفردات والمصطلحات -وأغرب منها- التي لا نعرف لها معنى أو نعرف أنها من لغة غير لغتنا أصبحت جزءا لا يتجزأ من قاموسنا اليومي. حتى هؤلاء الذين يرفضونها في البداية تجدهم يقبلونها ويسلمون بها في النهاية بشكل ما. ما يجعلني أتساءل هل سيأتي يوم يصبح فيه قاموسنا اللغوي عماده تلك المصطلحات التي لا أصل لها عندنا؟!
هذا عن علاقة المصطلحات باللغة وهو شقّ, أما الشقّ الآخر فهو علاقة المصطلحات بنوع قائلها .. فهل يجوز لفتاة أن تستخدم عبارات من نوع "قشطة و فًكّك" هي في البداية قد ظهرت في أوساط ربما يعتبرها كثيرون منا "دون المستوى"؟! والسؤال عن الجواز هنا غير مرتبط بالفتاة من تلك الناحية التي تتضمن شيئا من تصنع الرقة أو افتعال الأنوثة أو ارتفاع المستوى الاجتماعي, ولا هو مرتبط بها من ناحية كونها أقل حرية وأكثر حاجة للضبط الأخلاقي والعقلي من الرجل, وإنما هو مرتبط بالفتاة من حيث كونها أنثى ومن حيث انتمائها لأولئك اللائي وصفهن سيد الخلق ب"القوارير" ومن حيث تميزها في خَلقها -والتميز هنا لا يعني الأفضلية- بصوت أكثر رقةً وهدوءً ونعومةً من صوت الرجال؟
كل هذا يجعلني أتساءل هل من الطبيعي أن تتحدث كل فئات المجتمع المتفاوتة ثقافياً وأخلاقيا -لا اجتماعياً أو اقتصادياً-, وتتحدث الإناث كما يتحدث الذكور نفس اللغة بأغلب ما تحويه من تشوه وعوار؟!!
____________
* ربما قد تدهشك اختياراتي للمصطلحات الغريبة التي تم استحداثها.. لكنني لا أحب أن أقول ما هو أكثر من ذلك.
تدوينات الصديقات:
خبطتين في الرأس
ثنائية تسكع